أهمية الاستغفار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين
السبب الثاني من الأسباب التي تمنع لحوق الوعيد بالشخص، الممحصات، وهو الاستغفار، والاستغفار كلمة أولها حروف الطلب، ألف وسين وتاء، استدعاء، استغفار، استتابة، ونحو ذلك..
وقيل أنها مأخوذة من المغفرة، لكن القول الذي يقول بأنها مأخوذة من المغفر الذي يحمي الرأس فيه مناقشة، إما أن يعمم هذا القول ويصحح لأن المغفر يقي الرأس، فهل نقول يقي الرأس فقط أم من الممكن أن نمشي هذا الاشتقاق ونقول أيضًا المغفر يقي الرأس ويمنع عنها الأذى ويقابل الأذى بالصد ونحو ذلك.. لماذا نقول هذا الكلام؟ لأنه ليس مقصودًا في الاستغفار مجرد الستر فقط، ليس المقصود في الاستغفار مجرد الستر على الشخص، بل الاستغفار فيه أمور، عندما تقول أستغفر الله فيتضمن ذلك عدة أمور:
أولاً: محو الذنب، تطلب من الله جل وعلا أن يمحو الذنب عنك، عندما تقول أستغفر الله فأنت تطلب من الله جل وعلا أن يمحو الذنب..
ثانيًا: أن يزيل أثره، إزالة أثر الذنب..
الثالث: وقاية شره، لأن الذنوب لها شرور، الذنوب والمعاصي لها شرور..
قال المؤلف: الاستغفار، قال تعالى (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) هذا الكلام نقله من ابن القيم في المدارج (1/232) قال ابن القيم: ولا بد في لفظ المغفرة من الوقاية، هذا أول شيء، قال ابن القيم: فلا بد في لفظ المغفرة من الوقاية، وهذا الاستغفار هو الذي يمنع العذاب، الاستغفار هو الذي يمنع العذاب، هذه كلمة مهمة جدًّا، في قوله تعالى (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) قال: فإن الله لا يعذب مستغفرًا، انظر لكرم الله جل وعلا ومنته، إن الله لا يعذب مستغفرًا، فالعبد لا بد أم يلزم الاستغفار ملازمةً دائمة..
قال: وأما من أصر على الذنب، شخص أصر على الذنب، وطلب من الله مغفرته، فهذا ليس باستغفار مطلق، ولهذا لا يمنع العذاب، المصر على الذنب ويطلب من الله أن يغفر له الذنب هذا ليس باستغفار مطلق، فقد يعذب، وقد يحجب عنه العذاب لأسباب..
قال ابن القيم: فالاستغفار يتضمن التوبة والتوبة تتضمن الاستغفار، هذا الكلام الآن الموجود عندك، نقله الشارح عندك في شرح الطحاوية، قال ابن القيم: فالاستغفار يتضمن التوبة والتوبة تتضمن الاستغفار، وكل منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، فهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، ما معنى هذا الكلام؟ إذا اجتمعا في مكان واحد (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) كان لكل واحدةٍ منهما معنى، الاستغفار طلب الوقاية من الذنب، مما مضى، وطلب المفارقة، طلب الوقاية من أثره والمفارقة من الذنب.. التوبة طلب الرجوع إلى الطريق المستقيم ووقاية الذنوب في المستقبل، كما سيأتينا الآن..
أما إذا اجتمعا في مكان واحد، عندما تقول: يا فلان استغفر الله أو يا فلان تب إلى الله فعندئذ تدخل التوبة في الاستغفار ويدخل الاستغفار في التوبة..
يقول ابن القيم: فالاستغفار يتضمن التوبة والتوبة تتضمن الاستغفار وكل منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى، يعني عندما يأتيان معًا، فالاستغفار طلب وقاية شر ما مضى، شر الذنوب، الذنوب شر وبلاء..
وبعض أهل العلم يقول أن الذنب سمي ذنبًا مأخوذة من الذنَب، ذنَب الحيوان، مؤخر الحيوان، لما يكون في هذا الذنب من الأثر الذي يجر بويلاته على المذنب، نسأل الله السلامة والعافية..
عند اقترانهما فالاستغفار طلب وقاية شر ما مضى والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله..
يقول ابن القيم: فهاهنا ذنبان: ذنب قد مضى فالاستغفار منه طلب وقاية شره، وذنب يخاف وقوعه فالتوبة العزم على ألا يفعله، والرجوع إلى الله يتناول النوعين، الرجوع بالتوبة، رجوع إليه ليقيه شر ما مضى من الذنوب، ورجوع إليه ليقيه شر ما يستقبل من شر نفسه وسيئات أعماله..
ثم يضرب مثله يقول: أيضًا فإن المذنب بمنزلة من ركب طريقًا، المذنب، الشخص الذي يسرف على نفسه في المعاصي، كمن ركب طريقًا، مشى في طريق تؤديه إلى هلاكه، واحد مشى في طريق لو استمر في هذا الطريق سيهلك، ولا توصله إلى المقصود، فهو مأمور أن يوليها ظهره، يعني يجب أن يستدير، يولي هذه الطريق المهلكة ظهره، ويرجع إلى الطريق التي فيها نجاته، هكذا المذنب، لا بد أن يترك طريق المعاصي والذنوب ويوليها ظهره ويرجع مرة أخرى إلى طريق السلامة والإنابة لينجو فيها، لأنه لو استمر في هذا الطريق الذي هو طريق الإسراف على النفس والمعصية ونحو ذلك فإن فيها كما يقول: هلاكه، والتي توصله إلى مقصوده وفيها فلاحه، يعني التوبة..
يقول: فهاهنا أمران لا بد منهما: مفارقة شيء، والرجوع إلى غيره، يعني ابن القيم يفصل تفصيلاً دقيقًا جدًّا يشخص الداء ويصف الدواء بدقة، وهذا من حسن النصح للأمة لخطورة الأمر، فهاهنا أمران لا بد منهما، مفارقة شيء والرجوع إلى غيره، فخصت التوبة بالرجوع والاستغفار بالمفارقة، وعند إفراد أحدهما يتناول الأمرين، إذا جاءت التوبة لوحدها دخل فيها الاستغفار وإذا جاء الاستغفار لوحده دخل فيه التوبة، مثل الإسلام والإيمان إذا جاء الإسلام وحده دخل فيه الإيمان وإذا جاء الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، إذا اجتمعا دل الإسلام على الأعمال الظاهرة ودل الإيمان على الأعمال الباطنة..
ولهذا جاء والله أعلم الأمر بهما مرتبًا في قوله (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) فإنه الرجوع إلى طريق الحق بعد مفارقة الباطل..
ثم يختم هذا ويقول: وأيضًا فالاستغفار من باب إزالة الضرر، والتوبة طلب جلب المنفعة، وشرحنا لكم في يوم الاثنين أن أهل العلم يشبهون الاستغفار بالمنظفات التي تنظف الثوب كالصابون ونحو ذلك، إذا أردت أن تتنظف من أدران الذنوب والمعاصي فعليك بالاستغفار، كما أنك تنظف ثوبك بالصابون والأشنان والمنظفات، إذا توسخ بالأوساخ والأدران المعروفة، فالاستغفار بهذه الحيثية ينظف الإنسان ويطهره من الذنوب والمعاصي ومن آثارها..
يقول: فالمغفرة أن يقيه شر الذنب، والتوبة أن يحصل له بعد هذه الوقاية ما يحبه، وكل منهما يستلزم الآخر عند إفراده، إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، كالبر والتقوى، والإثم والعدوان، والفسوق والعصيان، ونحو ذلك..
نرجع مرة ثانية إلى كلام ابن أبي العز رحمه الله تعالى، قال: فإذا ذكر وحده دخل معه التوبة كما إذا ذكرت التوبة وحدها شملت الاستغفار، ثم يأتي النقل من المدارج الذي ذكرته لكم، فالتوبة تتضمن الاستغفار والاستغفار يتضمن التوبة، وكل واحد منهم يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى، فالاستغفار طلب وقاية شر ما مضى، والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله.. انتهى من المدارج..
كما ترون هذا المبحث مهم وكلنا في حاجة إليه، كلنا في حاجة إلى الاستغفار كما كلنا في حاجة إلى التوبة..
قال نقلاً من فتاوى شيخ الإسلام: ونظير هذا الفقير والمسكين، ينقل من كتاب الإيمان الأوسط من الفتاوى (7/167) يقول: ونظير هذا الفقير والمسكين إذا ذكر أحد اللفظين شمل الآخر وإذا ذكرا معًا كان لكل منهما معنى.. الفقير والمسكين نفس الشيء، كما قال تعالى (إطعام عشرة مساكين) في كفارة اليمين أو (فإطعام ستين مسكينًا) في كفارة المجامع أو المظاهر، وهذه في كفارة المظاهر، إطعام عشرة مساكين، ما الفرق بين المسكين والفقير هل المسكين أشد فقرًا من الفقير وفاقة أم العكس؟ على قولين لأهل العلم: منهم من يقول أن الفقير من يجد شيئًا لكنه لا يسد حاجته، يجد اليسير، والمسكين من سكنت يده عن التصرف، ليس عنده شيء البتة، فعلى هذا القول الفقير أعلى درجة من المسكين وأفضل، وهناك قول بالعكس..
على كل حال هو يريد أن يقول إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، يعني كما قال تعالى (إطعام عشرة مساكين) فيدخل فيها المسكين والفقير، يعني إذا أردت أن تذهب بكفارة اليمين وتطعم عشرة مساكين نقول يكفيك أن تطعم عشرة فقراء، سواء كان هذا الفقير يجد الشيء اليسير أو لا يجد شيئًا البتة، هذا محصل الخلاف..
نفس الشيء (فإطعام ستين مسكينًا) يذهب يبحث، سواءً وجد فقيرًا بمعنى أنه عنده الشيء اليسير لكنه لا يكفيه أو وجد من ليس عنده شيئًا البتة، يده ساكنة عن التصرف، يعني الإنسان إذا عنده مال يتصرف في هذا المال بالبيع والشراء والنفقات ونحو ذلك، أما من ليس عنده شيء البتة فيده ساكنة، يقول: ساكنة عن التصرف، كيف ستتحرك يده وليس فيها مال..
(وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) فيدخل في هذا الفقير والمسكين (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) قد تكون الصدقة في وقات من الأوقات العلانية أفضل من الصدقة السرية، لماذا؟ إذا قلنا مثلاً في هذا المسجد أو في مجتمع من المجتمعات نريد الإنفاق مثلاً على عدد من بيوتات الأرامل أو اليتامى ونريد أن نجمع تبرعات والناس ساكتة فقمت أنت وأخرجت شيئًا من المال وقلت أنا سأبدأ، فوضعت هذا المال علانية أمام الناس، فقام الناس حولك يتبادرون للتصدق والصدقة والإنفاق، هذه أفضل بهذا الاعتبار، أنك شجعت غيرك، لكن تريد مثلاً أن تعطي صدقة لبيت فقير معين فيه أرملة أو يتيم أو غير ذلك، فإخفاء الصدقة في ذلك أفضل، لأنك لن تستفيد شيئًا من العلانية إلا الرياء والسمعة (إن تبدو الصدقات فنهما هي وإن تفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) و(تؤتوها الفقراء) هنا يدخل فيها الفقير ويدخل فيها المسكين..
لا خلاف أن كل واحدٍ من الاسمين في هذه الآيات لما أُفرد شمل المقل والمعدم، المقل هو الذي عنده شيء يسير قليل، مال قليل لكنه لا يقوم بحاجته، والمعدم الذي ليس عنده شيء البتة..
ولما قرن أحدهما بالآخر في قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) كان المراد بأحدهما المقل، الذي يجد القليل ولا يكفيه، والآخر المعدم، لا يجد شيئًا البتة، على خلاف فيه..
وكذلك لفظ (الإثم والعدوان) و(البر والتقوى) و(الفسوق والعصيان) فالإثم لفظ عام والعدوان جزء من الإثم، يكون فيه نوع من الاعتداء ولكنه إذا أطلق الإثم دخل فيه العدوان والعكس، وإذا اجتمعا افترقا في المعنى، كذلك البر والتقوى، إذا جاء البر مع التقوى فالمقصود بالبر فعل الأوامر والمقصود بالتقوى ترك المحظورات أو ترك المنهي عنه، فإذا جاءت كلمة البر فقط دخل فيها كل الدين ومنه التقوى، وإذا جاءت التقوى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) دخل فيها كل الدين.. وهكذا..
ثم قال: ويقرب من هذا المعنى الكفر والنفاق فإن الكفر أعم، الكفر أعم من النفاق لأن النفاق، نقصد بالنفاق أي النفاق الأكبر، أحد أنواع الكفر، كفر التكذيب، كفر الإعراض، كفر الشك، كفر الجحود، كفر النفاق، وهناك كفر عملي، وهناك كفر اعتقادي، فالنفاق أحد أنواع الكفر، لكن إذا أطلق الكفر فهو أعمل، يقول الشيخ: يقرب من هذا المعنى الكفر والنفاق، فإن الكفر أعم، فإذا ذكر الكفر شمل النفاق، لكن قد يكون الكفر كما قلت بغير النفاق، ككفر مثلاً الجحود، أو كفر التكذيب..
يقول: وإذا ذُكرا معًا كان لكل منهما معنى، النفاق الأكبر هو كما تعلمون إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وكذلك الإيمان والإسلام، على ما سيأتي هذا في مبحث إن شاء الله الإيمان..
ثم ينتقل إلى الممحص الثالث وهو الحسنات الماحية، الأعمال الصالحة المكفرة، وهي قسمان كما ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في غير هذا الموضع، الحسنات الماحية أو الأعمال الصالحة المكفرة، مقدرة وغير مقدرة، مقدرة ومطلقة، المقدرة كالكفارات التي يقوم بها الإنسان من عتق رقبة في مسألة مثلاً الجماع في نهار رمضان، أو المظاهر، أو الصيام، صيام ستين يومًا أو صيام ثلاثة أيام كمن يأتي محظورًا من محظورات الإحرام، من الحق أو التقصير للشعر أو لبس الثياب أو وضع العطر أو نحو ذلك، أو صدقة، كإطعام عشرة مثلاً مساكين في كفارة اليمين وإطعام ستة مساكين في من فعل محظورًا من محظورات الإحرام، أو الذبح، ذبح شاة لمن ترك مثلاً نسكًا من أنسكة الحج، ترك واجبًا من الواجبات فعليه أن يذبح شاةً، هذه أعمال صالحة مكفرة لشيء مقدر، وهي مقدرة، إذا وُجد السبب وُجدت..
هناك أعمال صالحة مطلقة، يعملها الإنسان في أي وقت، كالصلاة النافلة في أي وقت، وكالصيام التطوع، وكالصدقة في أي وقت، هذه أعمال صالحة غير مؤقتة بوقت معين وغير مؤقتة بسبب..
يقول: فإن الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها، فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره، الله جل وعلا من كرمه أنه يضاعف الحسنة ولا يضاعف السيئة، فيقول: الويل لهذا الشخص الذي أسرف على نفسه حتى كثرت هذه الآحاد، سيئة واحدة، لكن أتى بسيئات كثيرة واحدة مع واحدة مع واحدة، صارت آلافًا مؤلفة، تكاد تحرقه، كما قيل:
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
حصاة مع حصاة مع حصاة تكون جبل، ذنب سيئة مع سيئة مع سيئة، تحرق الإنسان، نسأل الله السلامة والعافية..
فيقول: الويل لمن غلبت آحاده أعشاره، الله جل وعلا يعطيك على الحسنة عشر أمثالها، فالأصل أن الإنسان إذا مشى على هذا الميزان لن يغلب ولن تغلب السيئات الحسنات لأن الحسنات تتضاعف والسيئات لا تتضاعف، فمعنى هذا أن الإنسان الذي تغلب سيئاته حسناته أنه أسرف على نفسه في السيئات ولم يبادر إلى الأعمال الصالحة ولم يأت بالحسنات، لذلك جاء في الحديث الذي سنذكره الآن بعد الآية، قال تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) طرفي النهار: يعني في الصباح وفي المساء، زلفًا من الليل: يعني قطعة من الليل وساعات من الليل (إن الحسنات يذهبن السيئات)..
وقال: وأتبع السيئة الحسنة تمحها، بادر واعمل ولا تسوف ولا تتأخر، بادر، أتبع، إذا عملت السيئة، والسيئة سميت بذلك لأنها تسوء الشخص في الدنيا وفي الآخرة، تؤثر عليه ويسوءه فعلها، أتبع السيئة الحسنة تمحها، مباشرةً إذا فعلت سيئة لا تقول غدًا سأتوب أو بعد غد سأتوب سأفعل الحسنة بعد كذا، لا، أنت لا تضمن نفسك ولا حياتك، أتبع السيئة الحسنة، والحسنة هنا إما المراد بها التوبة كما يقول الحافظ ابن رجب، أتبع السيئة بالتوبة، لأن التوبة كما قلنا أحد الممحصات، أو بحسنة، شيخ الإسلام يقول: من جنسها، يكون أفضل حسنة من جنسها.. ويصح أن تكون الحسنة من غير جنسها، بل في بعض الصور لا تتصور، يعني واحد مثلاً يشرب المسكر أو يشرب البانجو، هذه سيئة، كيف سيأتي بحسنة من جنسها، فهذا قد يكون في بعض الصور أن تكون الحسنة من جنسها ويصح أن تكون من غير جنسها، يتوب إلى الله جل وعلا ويستغفره ويأتي مثلاً بصلاة ركعتين، يتوضأ ويصلي ركعتين أو يتصدق أو غير ذلك.. تمحها: يعني تزيل أثرها..
شيخ الإسلام هنا في هذا الموطن في مجموع الفتاوى يتكلم في قضية أثارها العلماء قديمًا وهي: هل الحسنات الماحية التي تكفر السيئات تكفر الصغائر فقط أم الصغائر والكبائر؟ هذه مسألة يثيرها العلماء في شروحاتهم وأكثر أهل العلم على أن الحسنات والأعمال الصالحة لا تكفر الكبائر..
شيخ الإسلام يجيب عن هذه المسألة وعن هذا الاستدلال أو عن هذا الإشكال بعدة أجوبة، أذكر منها ثلاثة فقط: الجواب الأول: يقول الشيخ قبل: وسؤالهم على هذا الوجه أن يقولوا الحسنات إنما تكفر الصغائر فقط فأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة كما جاء في بعض الأحاديث "ما اجتنبت الكبائر" وفي بعض الأحاديث هكذا "ما لم تغش كبيرة" "ما اجتنبت الكبائر" يقول: فيجاب عن هذا بوجوه:
الأول: أن هذا الشرط "ما لم تغش الكبائر" جاء في الفرائض "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن" فهنا مذكورة الفرائض كالصلوات الخمس، يقول: إن هذا الشرط جاء في الفرائض كالصلوات الخمس والجمعة وصيام رمضان، وذلك أن الله يقول: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) فالفرائض مع ترك الكبائر مقتضية لتكفير السيئات، الفرائض إذا قام الإنسان بالفرائض وترك الكبائر يقتضي ذلك تكفير السيئات، يعني من الصغائر، وأما الأعمال الزائدة من التطوعات فلا بد أن يكون لها ثواب آخر، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) الآية.. (ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره)..
الثاني: وهذا وجه قوي أنه قد جاء التصريح في كثير من الأحاديث بأن المغفرة قد تكون مع الكبائر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم "من فعل كذا غفر له وإن كان فر من الزحف" ويقصد حديث "من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف" رواه أبو داود برقم1517 وهو حديث صحيح..
شيخ الإسلام يقول: قد جاء التصريح في كثير من الأحاديث بأن المغفرة قد تكون مع الكبائر، كما في هذا الحديث.. وفي السنن: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب، يعني: أوجب النار، فقال: "أعتقوا عنه عبدًا أو أمةً يعتق الله بكل عضو منه عضوًا منه من النار" وهذه الأحاديث ثابتة في الصحيح، كما سيأتي، وفي الصحيحين من حديث أبي ذر "وإن زنا وإن سرق"..
الثالث: أن قوله لأهل بدر ونحوهم "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" إن حمل على الصغائر أو على المغفرة مع التوبة لم يكن فرق بينهم وبين غيرهم، فكما لا يجوز حمل الحديث على الكفر لما قد عُلم أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة لا يجوز حمله على مجرد الصغائر المكفرة باجتناب الكبائر، عندما قال لأهل بدر "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" إذا قلنا أن الكبائر لا بد فيها من التوبة فهذا معناه أنهم يتساوون مع غيرهم، هذه ثلاثة أوجه، والأوجه الباقية كما قلت موجودة في مجموع الفتاوى من صفحة490 فما بعدها..
السبب الرابع: المصائب الدنيوية، من الأسباب التي تمحص الشخص من الذنوب وتمحو عنه أثر الذنب المصائب الدنيوية، يعني يقصد التي هي من الله جل وعلا يبتلي بها عباده وقد لا يكون للعبد فيها تسبب مباشر، يعني كما قلت من قبل واحد يمشي مثلاً وحصل عليه صدمة في سيارة أو نزلت عليه شجرة ونحو ذلك، هذه ابتلاءات وهذه مصائب، يقول الشيخ: قال صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من وصب" الوصب هو الوجع، اللازم "ولا نصب" النصب هو التعب، "ولا غم" الغم هو الذي يضيق القلب "ولا هم" الهم هو ما يتوقعه من المكروه في المستقبل من سوءٍ "ولا حزن" حُزنٍ أو حَزَن، يصح فيها الوجهان "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا غم ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه" هو حديث متفق عليه في الصحيحين.. فهذا من فضل الله جل وعلا أن هذه المصائب المتنوعة التي لا ينفك عنها الشخص الله جل وعلا يجعلها كفارة للشخص، كفارة لخطاياه، لكن سيأتينا الآن أن هذا لا بد له من شرط، إذًا هذا من فضل الله، ما يصيب المؤمن من الوصب، الوجع الملازم للشخص، أو النصب، التعب، أو الهم والغم، والذي لا ينفك عنه كما قلت شخص، ولا حزن، حتى الشوكة، يعني ماشٍ في الطريق ووقعت قدمه في عصاة أو في حجر أو دخل فيها شوكة أو نحو ذلك، فإن هذا مما تكفر بها الذنوب والخطايا، لكن متى يؤجر ومتى يأخذ حسنة ومتى يأثم، هذا سيأتينا بعد قليل..
قال: وفي المسند، مسند أحمد (1/11) مسند أبي بكر الصديق، أنه لما نزل قوله تعالى (من يعمل سوءًا يجز به) الصحابة أشكلت عليهم هذه الآية، قال أبو بكر: يا رسول الله نزلت قاصمة الظهر وأينا لم يعمل سوءًا، فقال: "يا أبا بكر ألست تنصب ألست تحزن ألست يصيبك اللأواء" يعني الشدة وضيق العيش "فذلك ما تجزون به" هذا الحديث أخرجه أحمد وغيره وفيها ضعف.. لكن يشهد له ما رواه مسلم في صحيحه برقم 2574 من حديث أبي هريرة: لما نزلت (من يعمل سوءًا يجز به) بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا، فقالوا: يا رسول الله، يعني كيف المخرج من ذلك، بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا، فقال صلى الله عليه وسلم "قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها" يعني واحد ماش دخل في رجله شوكة، فهذه كلها كفارات، وهذا كما قلت من سعة فضل الله سبحانه وتعالى..
ثم قال الشيخ: وبالصبر عليها يثاب العبد، وبالتسخط يأثم، هذا هو الفيصل، إنسان يبتلى بابتلاءات قد يحصد من ورائها خيرًا كثيرًا وقد يحصد من ورائها شرًّا والعياذ بالله، يحصد من وراء هذه الابتلاءات خيرًا كثيرًا بشرط الصبر، والصبر ثلاثة أنواع: الصبر حبس النفس عن الجزع، أولاً، قد لا يظهر للناس من الشخص شيء لكنه في داخله عنده جزع، وعنده سخط على القدر والعياذ بالله، فأول شيء من الصبر، والصبر مرتبة واجبة، هذه مسألة مهمة، الصبر واجب، ليس مستحبًّا ولا بد فيه من أمور ثلاثة:
أولاً: حبس النفس عن الجزع..
ثانيًا: وحبس اللسان عن التشكي.. التشكي للخلق..
ثالثًا: حبس الجوارح عما يغضب الله سبحانه وتعالى كلطم الخدود وشق الجيوب ونحو ذلك، لا بد في الصبر من هذه الثلاثة، حبس النفس عن الجزع والسخط على القدر ونحو ذلك، يعني كما قال ابن القيم مما ذكرناه في كتاب التوحيد: وإن فتشت ما فتشت فستجد هذا الأمر في نفوس الناس، السخط على القدر، لماذا أعطى فلانًا ولم يعطني، لماذا أغنى فلانًا ولم يعطني، لما أعطى فلانًا الصحة والعافية والولد ولم يعطني، حتى لو بينه وبين نفسه، كما قال ابن القيم في آخر كلامه:
وإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لا إخالك ناجيًا
إن نجيت من هذه، السخط على القدر فأنت نجوت من شيء عظيم جدًّا، فالإنسان يحتاج أن يفتش نفسه ويستغفر الله جل وعلا..
ثم يقنع نفسه بما هو فيه من الخير والعافية والنعمة، شخص يمشي على رجل واحدة، هناك من يمشي على عجلة أو ملقى على السرير، فلان مقطوع الرجلين لكنه يستطع أن يسبح ويستغفر ويحمد الله ويكبر، ويدعو إلى الله جل وعلا، رأينا أناساً في المستشفيات، مثل مستشفيات الأمل ونحو ذلك، أصيبوا بحوادث حصل فيها شلل رباعي ونحو ذلك، لكنهم لم يتركوا الدعوة إلى الله جل وعلا، يحملون هكذا على الكراسي المتحركة، ويدعون الناس إلى الله جل وعلا، بل رأيت أغرب من ذلك، شخص أصلاً ما يتكلم، ويوجد له مترجم يترجم الحركات، يعطي محاضرات، في التوبة وفي المَصَارع ونحو ذلك بالإشارة فقط، لغة الإشارة، ويوجد بجانبه شخص يترجم هذه اللغة، لغة الإشارة، سبحان الله، لا يتكلم، طيب الذين يتكلمون ولهم لسان ما يدعون إلى الله جل وعلا إلا القليل، وهذا أصلاً لا يتكلم، لا ينطق، لكنه يعطي محاضرة بلغة الإشارة، ويأتي مترجم عنه يترجم هذه الإشارات، سبحان الله، فالإنسان يحمد الله جل وعلا على كل حال وينظر إلى من هو دونه في أمور الدنيا أما في أمور الآخرة ينظر إلى من هو فوقه، الناس الآن يمشون بالعكس، في أمور الدنيا إذا جاء واحد يجهز بنته للزواج ونحو ذلك يقولون فلان بنت فلان اشترت كذا وعشر سيارات تحمل لها أثاثها وجهازها، كيف نحن نكون أقل منها ويحمل جهازنا ثمان سيارات أو سبعة، لا، أنا سآتي بأكثر منها، أما في أمور الآخرة ينظر إلى من هو دونه، تقول له تعال صل في الجماعة يقول لك يا أخي إذا كان جاري الملتزم لا يأتي إلا في الركعة الثانية، أحيانًا يلحق التشهد، بالعكس، في أمور الدنيا ننظر إلى من هو أسفل منا وفي أمور الآخرة ننظر إلى من هو أعلى منّا، هذا أجدر ألا نزدري نعمة الله جل وعلا.. فهذا ما يتعلق بالصبر، الصبر الواجب وهو كما قلت فيه حبس النفس عن الجزع والتسخط، الثاني: حبس اللسان عن التشكي، وثالثًا: صبر الجوارح بحبسها عما يسخط الله جل وعلا..
وبالصبر عليها يثاب العبد وبالتسخط يأثم، فالصبر والتسخط أمرٌ آخر، غير المصيبة، منذ أيام جاءني شخص يستفتي عنده سؤال قلت له تفضل، قال الحمد لله أنا إنسان طيب وعندي امرأة متدينة وأولاد يحفظون القرآن لكنني في محل وفي العمل لا أبيع ولا أشتري، ثم يتكلم بكلام فيه تسخط، يقول الله جل وعلا لماذا يصنع بي ذلك وأنا ما أغضبته وأنا ما فعلت شيئًا، وأولادي وزوجتي يحفظون القرآن كل يوم، ويشهدون لهم في الحلقات بكذا وكذا وأنا أصلي كل يوم وكذا، فبعد ما كلمته في المقدمة ثم قلت له: فتش في نفسك، أنت أولًا عبد ولست ربًّا حتى تحاسب رب العالمين سبحانه وتعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) قلت له ثانيًا: فتش في نفسك، قلت له: أنت تخرج الزكاة، زكاة المحل، قال لا، أنا ما أخرجت الزكاة، لأنه ليس عندي سيولة، قلت له عندك بضاعة أم ليس عندك بضاعة؟ قال: عندي بضاعة، قلت طيب كم سنة ما أخرجت الزكاة، قال: أكثر من سنتين لم أخرج الزكاة، قلت: هذه واحدة، ضعها عندك، يعني لا تخرج زكاة أموالك وتريد من الله جل وعلا أن يبارك لك في المال وأن تبيع وتشتري، قلت له: هذا المحل إيجار أم ملك؟ قال: هذا للورثة وأنا فتحت فيه، قلت: هل استأذنت الورثة؟ قال: لا، قلت: طيب هذا حق الورثة، اذهب للورثة سلهم ربما يكونون ساخطون عليك، أخذت حقوقهم، حقوق البنات، كما يصنع الكثير من الناس يأكلون حقوق البنات أو بسيف الحياء، فقال هذه أول مرة أنتبه لها، قلت له: ابحث عن الباقي، أنا ما أعرفك، لكن هذه معاصي بلا شك قد تؤدي إلى حبس الرزق وحبس البركة عنك، ابحث عن هذه المسائل وعن غيرها مما لا أعلمه أنا، لأنه ليس كل مستفتٍ يكون عندي خلفية عنه..
يقول الشيخ هنا: فالمصيبة من فعل الله لا من فعل العبد، وهي جزاء من الله للعبد على ذنبه، ويكفَّر ذنبه بها، وإنما يثاب المرء ويأثم على فعله والصبر والسخط من فعله، إذا صبر العبد يؤجر، وإذا سخط يأثم، وهذا فعل العبد، وإن كان الثواب والأجر قد يحصل بغير عمل من العبد، يعني هو انتقل لمسألة أخرى، أنه قد الإنسان يأخذ أجر وثواب بغير عمل، بل هدية من الغير، كما تعطي المال هدية وكما تمنح المنيحة وتهب الهبة لغيرك، أو فضل من الله تعالى من غير سبب، قد يأتيك مال من غير سبب، وقد الله جل وعلا يتفضل على العبد فيدخله الجنة بدون شفاعة الشفعاء وبدون أسباب قدمها.. قال تعالى (ويؤتي من لدنه أجرًا عظيمًا)..
ثم قال: فنفس المرض جزاءٌ وكفارة لما تقدم، وكثيرًا ما يفهم من الأجر غفران الذنوب، وليس ذلك مدلوله وإنما يكون من لازمه، يعني من لازم الأجر والإثابة على الفعل المغفرة، ولكن هذا قد يكون مؤيدًا بعمل أو مطلقًا، والله جل وعلا فضله واسع، وهو ذو الفضل العظيم سبحانه وتعالى..
السبب الخامس من الممحصات: عذاب القبر، يقول الشيخ: ويأتي الكلام عليه..
شيخ الإسلام ذكر هناك في المجلد السابع قال شيخ الإسلام: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا، الفتنة والابتلاء، والفتنة بسؤال منكر ونكير من ربك من نبيك ما دينك، والضغطة التي لا ينج منها أحد لكنها أهل العلم قالوا هي على أهل الإيمان كضغطة الأم لولدها، الأم الحنون لولدها، عندما تستقبل ابنها الأم الحنون تأخذه في أحضانها تضغطه كضغطة الأم الحنون لولدها، هكذا ضغطة القبر للمؤمن أو لأهل الإيمان، والرَّوعة أو الرُّوعة يعني ما يروع الإنسان عند موته أو في قبره..
قال: ويأتي الكلام عليه، سيأتي طبعًا مبحث مستقل في عذاب القبر ونعيمه والموت وما يتعلق به إن شاء الله جل وعلا..
السبب السادس من الممحصات: دعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة وبعد الممات، يعني دعاء المؤمنين للشخص واستغفارهم للشخص في حياته وبعد مماته، كما قال تعالى (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) هذا دعاء الملائكة، وهو فوق دعاء المؤمنين (ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيءٍ رحمةً وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) وأنعم بهذا الدعاء من الملائكة، أنعم بدعاء الملائكة للمؤمنين..
وكما قال تعالى في سورة الحشر (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) شيخ الإسلام يقول: السبب الرابع، يعني حسب ترتيبه، الدافع للعقاب، دعاء المؤمنين للمؤمن مثل صلاتهم على جنازته، هذا أيضًا أحد أسباب دفع العقاب، فعن عائشة رضي الله عنها، حديث أنس وعائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون إلا شفّعوا فيه" رواه مسلم في صحيحه، ما من ميت يموت من المسلمين فيصلي عليه مئة من أهل الإسلام، من أهل الإخلاص، فيشفعون فيه، يشفعون فيه، اللهم اغفر له اللهم ارحمه، هذه شفاعة، اللهم اغفر له اللهم ارحمه، أكرم نزله، وسع مدخله، هذه كلها شفاعة، مئة، هذه بشرى عظيمة، إلا شفعوا فيه، بل هناك بشرى أعظم من هذه أيضًا، في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، قبل ما أذكر الحديث ابن عباس مات له ولد، فكان يبعث من ينظر له الناس، يقول: انظر هل بلغوا أربعين؟ فقال: نعم، قال: فاخرج به إلى الصلاة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه" شرط الإخلاص، أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا، لا يصلح من يقول يا بدوي يا شيخ عبد القادر يا شيخ عبد الله، يا رسول الله انقذني وهذه التواشيح التي نسمعها، البلاء الموجود في الإذاعة المصرية التي نسمعها ليل نهار، استغاثة بغير الله ودعاء للأموات ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم ولا منكر ولا نكير، يوميًّا هذا البلاء موجود فيما يسمى بالابتهالات وهي أولى باسم الشركيات، مصيبة كبيرة جدًّا ومن حوله يرفعون أصواتهم بالإعجاب وفرحين، أشياء عجيبة الإنسان عندما يسمعها يريد أن يسجلها، يكتبها، لكن ما الفائدة، استغاثات بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث وعاش ومات على حرب الشرك والدعوة إلى التوحيد الخالص، وهذا في إذاعتنا المصرية في أوقات متعددة قبل الفجر وبالنهار، دعاء للأموات صريح، نسأل الله السلامة والعافية..
يقول: "أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه" يقول الشيخ: وهذا دعاء له بعد الموت.. يضاف لهذا زيارة المسلم للقبور، السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، هذا دعاء أيضًا لهم، هذا السبب السادس: دعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة وبعد الممات..
يقول الشيخ: السبب السابع، ما يهدى إليه، يعني للميت بعد الموت أو للمؤمن بعد الموت، من ثواب صدقة أو قراءة أو حجٍّ ونحو ذلك، ويأتي الكلام على ذلك إن شاء الله جل وعلا..
شيخ الإسلام عبارته أدق من هذه يقول شيخ الإسلام: السبب الخامس: ما يُعمل للميت من أعمال البر كالصدقة ونحوها، يعني هناك بعض الأعمال التي تهدى للميت ليس فيها خلاف، وهناك البعض فيها خلاف كالقراءة، كما ذكره هنا الشارح، الشيخ يقول: ما يُعمل للميت من أعمال البر، وهذه سيأتي إن شاء الله فيها مبحث كامل مستقل، مناقشة ما يهدى للميت، ما يصح إهداؤه للميت وما لا يصح، يقول شيخ الإسلا: ما يعمل للميت من أعمال البر كالصدقة ونحوها، فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة واتفاق الأمة، وكذلك العتق والحج، العتق مر بنا الآن الحديث، الرجل الذي قد أوجب، والحج فيه أحاديث كثيرة، المرأة التي سألت عن أبيها، أدركته فريضة الحج، لا يثبت على الراحلة هل يجزئ عن تحج عنه فقال "حجي عن أبيك" وعلى الرجل "حج عن أبيك واعتمر" حديث الخثعمي المشهور..
يقول: بل قد ثبت عنه الصحيحين أنه قال صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" لكن يقول الشيخ: وثبت مثل ذلك في الصحيح من صوم النذر، لأن هذا الحديث "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما فسروه على أن من مات وعليه صيام نذر، لأن صيام النذر واجب، صام عنه وليه، وإلا فابن عباس يقول: كما أنه لا يصلي أحد عن أحد فإنه لا يصوم أحد عن أحد..
على كل حال هذه مسائل ستأتي المناقشة فيها كما قلت وسيأتي فيها وقت مستقل..
السبب الثامن من الممحصات: أهوال يوم القيامة وكربه وشدائده..
السبب التاسع: ما ثبت في الصحيحين أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، يعني بعدما ينتهون من شدائد الموقف وعرصات القيامة والمرور على الصراط بأصناف مختلفة كالبرق وكأجاويد الخيل وكالريح والذي يمر زحفًا وغير ذلك، خلاص انتهوا من هذه المرحلة والجنة أمامهم، وُقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، لماذا؟ للتمحيص وللقصاص، لما بقي من الذنوب، يأخذ بعضهم من بعض، لأنه لا بد من التمحيص قبل دخول الجنة، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونُقّوا أُذن لهم في دخول الجنة، كما يصنع بالذهب، يدخل النار لكي يذهب عنه ما فيه من الشوائب ونحو ذلك ويصبح ذهبًا خالصًا، وغيره..
هذا السبب التاسع شيخ الإسلام لم يذكره في هذا الموضع الذي ننقل منه، هذا السبب التاسع شيخ الإسلام لم يذكره، لذلك هنا العدد إحدى عشرة خصلة، وهم عشر ممحصات، والذي زاد العدد هذا السبب التاسع..
السبب العاشر: شفاعة الشافعين، شفاعة الشفعاء، يشفع المؤمنون في إخوانهم، يشفع الصالحون في إخوانهم يقولون يا ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا، فيطلبون الشفاعة فيؤذن لهم في الشفاعة فيشفعون، ويشفع النبيون وتشفع الملائكة، وقد ذكرنا في درس الشفاعة مبحثًا طويلاً أخذنا فيه شهرًا تقريبًا، وذكرنا فيه شفاعات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ومن شفاعاته أنه يشفع في أقوام استوجبوا دخول النار يشفع فيهم ألا يدخلوها، ويشفع في أقوام دخلوا النار أن يخرجوا منها، هذه من شفاعاته صلى الله عليه وسلم..
ثم بعد تلك الشفاعات السبب الحادي عشر، يقول الله جل وعلا (شفعت الملائكة وشفع الأنبياء وشفع الصالحون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين) سبحانه وتعالى، فيقول هنا: الحادي عشر: عفو أرحم الراحمين من غير شفاعة، كما قال تعالى (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) ما دون الشرك (لمن يشاء) فإن كان ممن لم يشأ الله أن يغفر له لعظم جرمه، يعني لم يدخل في كل هذه الشفاعات فلا بد من دخوله إلى الكير ليخلص طيب إيمانه من خبث معاصيه، يعني لا بد أن يدخل الفرن، إذا لم تنفع فيه هذه الشفاعات لعظم جرمه، نسأل الله السلامة والعافية، لعظم جرمه، لم يدخل تحت شفاعة الأنبياء ولا شفاعة الصالحين ولا شفاعة المؤمنين ولا شفاعة الملائكة، ولم يدخل في ما يخرجه الله جل وعلا بمنه ورحمته، بدون شفاعة، فلا بد من دخول الكير، النار، وهذا فيه رد على المرجئة، لأن هذه مسألة دقيقة، لأن هناك من يقول أنه لا يدخل النار أحد ممن يقول لا إله إلا الله، هذا شيء مناقض للنصوص، أنه لا بد أن يدخل جماعة من عصاة الموحدين النار، هذا لا بد منه، بالنصوص الكثيرة من الكتاب ومن السنة، وهؤلاء يقولون لا، كل من قال لا إله إلا الله وهو من أهل التوحيد لا يرد عليها، وهذا مناقض كما قلت للنصوص، الله جل وعلا كما أنه غفور رحيم فهو شديد العقاب وسريع الحساب سبحانه وتعالى..
فإن كان ممن لم يشأ الله أن يغفر له لعظم جرمه فلا بد من دخوله إلى الكير ليخلص طيب إيمانه من خبث معاصيه، كما أن النار تخرج الشوائب والأخلاط فكذلك نسأل الله السلامة والعافية نار جهنم ستخرج هذه الخبائث من الشخص، نسأل الله العافية منها ومن بلائها وفتنتها..
يقول: فلا يبقى في النار، بعد ذلك، بعد هذه التنقية والتهذيب، فلا يبقى في النار من في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، بل من قال لا إله إلا الله، كما تقدم من حديث أنس، طبعًا لا بد هذا أن يقيد بالآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به) فالمنافقون يقولون لا إله إلا الله ومع ذلك هم في الدرك الأسفل من النار لا بد للإنسان أن يفهم الأحاديث ويضم بعضها إلى بعض، لا بد أن يضم بعضها إلى بعض ولا يصلح أن يأخذ حديثًا واحدًا يبني عليه حكمًا مستقلاًّ، من أتى بكلمة التوحيد ولم يأت بناقض ينقضها..
وذكرت لكم في تفسير الآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به) أن بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية يدخل في هذا الشرك الأصغر، يقول: الشرك الأصغر ليس بداخل تحت المغفرة بل هو مع الشرك الأكبر، لا بد أنه يعاقب ويحاسب عليه (إن الله لا يغفر أن يشرك به) تأويلها إن الله لا يغفر شركًا به، فالشرك هنا مطلق، وقع في النهي، لفظ الشركة نكرة، وقعت في النهي فإنها تفيد العموم وليس الإطلاق فيدخل فيه أي شرك حتى لو أصغر، وغالب أهل العلم يقولون لا، الشرك الأصغر واقع تحت المغفرة، فهذا يستدعي من الإنسان الخوف من الشرك أكبره وأصغره، الأكبر والأصغر (إن الله لا يغفر أن يشرك به) لا يغفر شركًا به، سواءً كان من أكبر أم من أصغر..
وهذا فيه تنبيه لكثير من المسلمين الذين يقولون والنبي، ورحمة أبوك، والذمة، لا بد تسمع هذه الألفاظ كل يوم، وقد رأى نبينا صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يحلف بأبيه فقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت" لا بد من تنبيه الناس لهذا، ويحلفون بالعزيز، يعني الشخص العزيز عليك، والتربة، تربة فلان وتربة علان، هذا كله داخل في الشرك، لا بد أن ننبه الناس لهذا لخطورة هذا الأمر، إذا كان الشرك الأصغر على ما يقول ابن تيمية لا يدخل تحت المغفرة بل لا بد لصاحبه أن يعذب فهذا معناه أن الأمر خطير، ولا بد من تنبيه الناس لهذا (إن الله لا يغفر أن يشرك به) يعني لا يغفر شركًا به، أكبر أو أصغر..
يقول الشيخ في خاتمة هذا المبحث: إذا كان الأمر كذلك، بعدما ذكر أنه قد يعفى لصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره، فالإنسان لا يغتر، وأن عقوبات السيئات قد تسقط بأحد هذه الممحصات، وأن الكبيرة قد يكون معها حياء من الله جل وعلا وقد يكون معها خوف واستعظام فيقلل من شدتها ومن وطأتها، والعكس الصغيرة قد يكون معها استهتار، شخص يأتي صغائر لكنه يستهتر، يقول يعني الله عز وجل يعذبني بهذا الشيء؟!! والله غفور رحيم كريم.. ويأتي بالصغائر.. والقاعدة المشهورة عند أهل العلم: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع استغفار، يقول لك يعني هل هذه السيجارة ستدخلني النار اشرب علبة واثنين وثلاثة وأربعة ويوم واثنين وعشرة، يستهين بهذا الشيء اليسير، وكما قلنا معظم النار من مستصغر الشرر، والجبل من الحصى، حصاة وحصاة وحصاة تصبح جبلاً، فقد يكون مع الصغيرة استهتار وعدم حياء من الله جل وعلا فتهلك الإنسان مع أنها كانت في أصلها صغيرة وأصبحت كبيرة بالإصرار عليها..